لا خلاف على مواجهة الخطر الإسرائيلي. فهو أمر واقع على الأرض في لبنان وغزة وسوريا والضفة الغربية. وهو في الأجواء فوق سبعة بلدان عربية. حتى الدول المرتبطة بمعاهدات سلام و”اتفاقات أبراهام” مع إسرائيل، فإنها عادت إلى الحديث عن هذا الخطر، وخصوصًا بعد الاعتداء على قطر. الخلاف هو على التقدير والقراءة في موازين القوى الإقليمية والمواقف الدولية واختيار أفضل الوسائل للمواجهة في الزمان والمكان المناسبين. فالفارق كبير بين المواجهة بأبعادها الاستراتيجية وبين المواجهة بحساباتها التكتيكية، والقدرة على إطلاق صواريخ والقيام بعمليات تقود إلى حروب مدمرة يصعب الصمود فيها. والدروس في غزة ولبنان وإيران مكتوبة على الجدار.
ولا حاجة إلى “المونة” على الطائف والدستور والتذكير بالبيانات الوزارية السابقة لتبرير الحفاظ على سلاح أسقط قرار مجلس الوزراء ما كان له من “شرعية” في ظروف تبدلت. ولا معنى للحديث عن الدولة والدفاع عن لبنان إذا كان سلاح “حزب الله” هو “وديعة المهدي حتى ظهوره وتشكيل حكومته العالمية”. فالخطر الإسرائيلي في هذا الإطار الواسع المستند إلى الغيب هو عقبة زائلة. ولبنان تفصيل صغير على خارطة إلهية. و”كلنا في الهم شرق” كما قال الشاعر.
لكن الأخطار لا تقرأ في الغيب بل تضرب في الواقع. والذين يمارسون إدارة الرياح في أميركا وإسرائيل وبلدان أخرى لا يتوقفون أمام ما يحدث للضحايا والعمران من كوارث. والنقاش في موضوع السلاح ليس نظريً بل في ضوء التجارب العملية. فالوقائع أقوى من الحجج. وسلاح “حزب الله” معرّض لخطر أكبر مما حدث في “حرب الإسناد”، وليس سلاحًا يرد الخطر بعدما فشل في حماية قادته ونفسه وبيئته ولبنان. وأي نقاش محكوم بأن ينطلق من حتمية التطبيق لقرار مجلس الوزراء حول حصرية السلاح بيد الدولة عبر خطة الجيش، وليس من التصرف كأن القرار لم يكن. وأية دعوة إلى الحوار هي مضيعة للوقت إذا كان هدف الدعاة هو التسليم بفرض الحفاظ على السلاح.
ذلك أن التباهي مؤخرًا بـ “شيعية” السلاح يراكم خطر الهيمنة الفئوية الداخلية فوق الخطر الإسرائيلي وخطر العزلة عن العرب والعالم وصعود نسبة الفقر والهجرة وخطر إغلاق الفرصة المفتوحة أمام بناء الدولة. ولا شيء يعرقل تطبيق حصرية السلاح ويضعف الدولة أكثر من مواقف في اتجاهين متعاكسين: موقف إسرائيل المصرة على استمرار احتلالها للأرض والرافضة لوقف الاعتداءات اليومية، وموقف “حزب الله” الرافض لتسليم السلاح.
والسؤال ليس لماذا يصر “حزب الله” على الاستمرار في “احتكار” مقاومة خسرت قوتها وفقدت دورها وتغيرت الدنيا من حولها هنا وفي المنطقة بل على ماذا يراهن ما دام استخدام السلاح لم يبق ممكنًا في لبنان ولا يؤدي إذا جرى استخدامه إلا إلى كارثة جديدة على جميع اللبنانيين. وبالاستناد إلى مقدمة الدستور التي تنص على أنه “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، فإن ما يناقض ميثاق العيش المشترك هو مواجهة طائفة لبقية الطوائف في الموقف من حصرية السلاح والتلويح بتفجير الوضع دفاعًًًًا عن سلاح خارج الشرعية. وليس من المقبول ولا المعقول منع الدولة من القيام بمسؤولياتها بقوة حزب مرتبط بمشروع إقليمي عابر للدول على الرغم من بداية انحساره. ومختصر الوضع من المصلحة الوطنية اللبنانية التي يحددها مجلس الوزراء هو ثلاث لاءات: لا سلاح في خدمة أيديولوجيا مذهبية. لا دور لأي طرف في مواجهة الخطر الإسرائيلي خارج دور الدولة. ولا دور للبنان خارج الدور العربي العام المتمسك بمبادرة السلام العربية التي خرجت من قمة بيروت عام 2002 و”حل الدولتين”. وليس من الضروري أن ينطبق علينا قول ماوتسي تونغ:” الأشياء يجب أن تسوء أكثر لكي تصبح أفضل”.