في مواجهة ما ترتكبه حكومة إسرائيل العنصرية من عدوان وحروب وتدمير وتهجير وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وعلى اللبنانيين والسوريين والعراقيين واليمنيين وما تمارسه من تهديد ضد دول الخليج العربية، يطالعنا قيادات ووسائل إعلام عربية بتكهنات وتوقعات تتسم بالسذاجة والسطحية تبشر بأن إسرائيل هذه على وشك الإنهيار رغم ما تسجله من انتصارات عسكرية على مختلف الجبهات بفضل الدعم المطلق لها من الدول الغربية وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية تمويلا وتسليحا وعتادا وتخطيطا إضافة إلى حمايتها من أية مساءلة ومحاسبة دولية أو داخلية.

الدافع لهذه التوقعات ما تشهده إسرائيل اليوم من انقسامات حادة ومظاهرات شعبية لم تشهد مثيلا لها منذ قيامها سنة 1947 ويدعمون توقعاتهم بما يصدر من مواقف متباعدة في وسائل الإعلام الإسرائيلية أغلبها معارضة لنتنياهو وحكومته المتطرفة عنصريا، وتتوقع إنهيار إسرائيل في حال استمرار حروب الاستنزاف التي تشنها الحكومة على سبع جبهات في آن واحد ولم تحقق حتى الآن أهدافها المعلنة لها رغم مرور أكثر من سنتين على شنها في كل اتجاه. مما لا شك فيه أننا كعرب نتمنى تحقيق ذلك واستعادة الفلسطينيين لحقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة على أرض فلسطين وعودة المهجرين إلى ديارهم وأراضيهم لكننا كعرب أيضا لنا تجارب مريرة مع التمنيات والتوقعات والشعارات الرنانة التي رفعناها منذ قيام دولة إسرائيل إلى اليوم ولا يفيدنا بشيء مواصلة هذا النهج الشعبوي الفاشل ومن الخطأ الجسيم التعامل مع مشكلات الداخل الإسرائيلي وكأنها حقائق حتمية، وأنها ستؤدي إلى إنهيار إسرائيل والمشروع الصهيوني الإقليمي، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل أرض فلسطين فور حصول هذا الانهيار.

أصحاب هذا التفكير الذين يتوقعون انهيار إسرائيل الأوهن من شبكة العنكبوت والواقفة على رجل ونص والتي يمكن محوها من الوجود خلال دقائق معدودة ، لا يريدون أن ينظروا إلى أنفسهم في المرآة ليدركوا أن الإنقسامات والمنازعات والحروب التي تعصف بالعديد من الدول المحيطة بإسرائيل منذ عقود ولا تزال متواصلة هي أخطر بكثير لأنها تستمر دون أي بارقة أمل إنهائها لكثرة المداخلات المتضاربة إقليميا ودوليا ومعاناة شعوب المنطقة من تداعيتها ويجب أن لا ننسى أيضا ونعترف أن الإنقسامات الداخلية الفلسطينية المتفاقمة منذ العام 2007 لا تزال عصية على الحل رغم المحاولات المتكررة لرأبها وإعادة اللحمة بين فئات المجتمع الفلسطيني لتوحيد القرار والموقف .

 

في مجتمعاتنا العربية لا يزال بعضهم يعيش وكأنه في عصر الجاهلية وبعض آخر توقف تفكيرهم عند القرن الأول الهجري فيما لا يزال البعض يسأل هل يحق للمسلم العربي تهنئة شريكه المسيحي العربي بأعياده الدينية ؟ كل هذا لا يزال موجودا في عالمنا العربي مع الأسف فيما إسرائيل الكيان العنصري الذي زرعه الاستعمار في قلب الوطن العربي رغما عن العرب استطاع أن يحقق نجاحات كثيرة لدرجة أن هذه الدولة باتت اليوم قادرة على تهديد كل الدول العربية مجتمعة وتسعى لفرض سيطرتها عليها وإقامة دولة إسرائيل الكبرى أو الشرق الأوسط الجديد الذي تديره إسرائيل وترعاه الولايات المتحدة الأمريكية.

 

المسألة وجودية مصرية وتستدعي من العرب قادة وشعوباً التفكير الجدي بتغيير النهج والأساليب المتبعة حتى اليوم قبل فوات الأوان فالصراع العربي مع الصهيونية العالمية وربيبتها إسرائيل وحاماتها في العالم هو أخطر بكثير من ما يتصوره بعض السياسيين العرب طالما أن الكيان الغاصب الإسرائيلي وما يحظى بهذا المستوى من الدعم والحماية الأمريكية والأوروبية وفي هذا الصدد تعود بناء الذاكرة للمعلم كمال جنبلاط طرحه على القادة العرب للانتصار على إسرائيل في مؤتمر نصرة فلسطين الذي عقد في الجزائر بتاريخ 5-7-1974 لنعيد طرحه اليوم وجاء فيه :”في رأينا أن مفتاح كل العوائق على صعيد مواجهة إسرائيل ومن ورائها الصهيونية العالمية ومن يدعمها من الدول والقوى العظمى هو حسن استخدام البترول العربي والمال العربي لصالح المعركة الوجودية مع إسرائيل من جهة ، ولصالح السلام والتضامن العالمي من جهة أخرى ومد يد العون للشعوب الساعية إلى التطور والتقدم ومساعدتها على تحقيق طموحاتها وإلى جانب ذلك العمل الجدي لمحاصرة إسرائيل دعائيا وماليا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا والتوجه للضغط على الجميع والمطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة .”

يشجعنا على هذا الطرح تباشير ما تقوم به الدول العربية مؤخراً من جهود جدية قد تكون في المسار الصحيح لإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحماية الدول العربية والمصير العربي من العدوانية الصهيونية.