في 7/11/2021 ، فاجأت حركة حماس الفلسطينية من غزة العالم وإسرائيل بشنها حرب طوفان الأقصى التي أرعبت وجرحت وقتلت وأسرت آلاف الإسرائيليين. وفي اليوم التالي، ردت إسرائيل مدعومة من معظم دول العالم ومن الرأي العام العالمي بشنها حرب ترويع وتدمير وتجويع وتهجير على أهل غزة بحجة حقها في الدفاع على النفس. وبسرعة تحركت أذرع إيران في محور الممانعة بحروب إسناد لحماس في غزة. وهكذا غرقت منطقة الشرق الأوسط في سلسلة من الحروب شملت لبنان وسورية والعراق واليمن وهددت مصر والأردن ودول الخليج العربي بما فيها الدول المطبعة مع إسرائيل ووصلت إلى إيران ذاتها. وفي مطلع 2025 عاد الرئيس ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة وتعهد بدعم إسرائيل في حربها الشرق أوسطية بمختلف الوسائل والإمكانيات لضمان تفوقها وانتصارها. فوجد نتنياهو بعودة ترامب ضالته التي ستساعده في تحقيق تطلعات الصهيونية العالمية التلمودية التوراتية بإقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات تحت أسم الشرق الأوسط الجديد تسيطر عليه إسرائيل العنصرية وتحميه وتدافع عنه بمختلف الوسائل الإدارة الأمريكية.
هذه كانت في المنطلق طموحات نتنياهو وترامب إلا أن الغطرسة الإسرائيلية والمزاجية الترامبية رغم فداحة الهمجية المستخدمة في الحروب التدميرية والإبادية لم توصل إلى النتائج المرجوة. فلا حماس استسلمت ولا إسرائيل حسمت وحققت الانتصار في أي من الحروب التي تشنها في المنطقة وما ارتكبته من فظائع وتجاوز ومجازر لا إنسانية بحق المدنيين قلب الرأي العام العالمي ضدها فانفجرت المظاهرات الشبابية في معظم العواصم والمدن الكبرى خاصة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة ذاتها تطالب بوقف المجازر واعطاء الشعب الفلسطيني حقه المشروع في تقرير المصير والعيش بسلام في دولة فلسطينية مستقلة . هذه التحركات الشعبية حملت العديد من الدول الغربية خاصة ودول العالم عامة على الوقوف إلى الجانب الحقوق المشروع للشعب الفلسطيني وتوجيه الانتقادات الشديدة للحكومة الإسرائيلية والسياسة الأمريكية الداعمة لها وهذا النهج الجديد في العالم أزعج جدا حكومة إسرائيل المتطرفة وأحرج داعمها الرئيس ترامب ، فمن مؤتمر الدول العربية والإسلامية في الرياض وإلى مؤتمري نيويورك في حرم منظمة الأمم المتحدة بدعوة مشتركة فرنسية سعودية وما نتج عنهما من اعترافات هامة جديدة بالدولة الفلسطينية التي يجب أن تقام في فلسطين إلى جانب إسرائيل بموجب القرار الأممي 181 الصادر عام 1947.
هذه التطورات واجهت ترامب وحملته على شن حملات ضدها بلغت اوجها في خطاب ترامب الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فهاجم الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية والأمم المتحدة العاجزة عن حل الأزمات في العالم متجاهلاً أن بلاده هي من يعطل تنفيذ القرارات الأممية وخاصة منها تلك التي تحمي إسرائيل من أي محاسبة على ارتكاباتها اللا إنسانية وبلغ الانزعاج أوجهه عندما فوجئ ناتنياهو عند بدء خطابه أمام الجمعية ذاتها بإخلاء معظم وفود الدول مقاعدهم في القاعة فبدا كأنه يخاطب نفسه أمام المرآة ، يتحدث عن بطولاته وانتصاراته على طريقةً دونكي شوت الشهيرة .
عند هذا الحد اضطر ناتنياهو أن يستنجد بترامب لإخراج إسرائيل من عزلتها العالمية ومن فشلها في تحرير وإعادة الرهائن من حماس في غزة لكل ما صبك ورغبة منه في تحقيق ما يصبو إليه في الحصول على جائزة نوبل للسلام طرح ترامب خطته الأخيرة لإنهاء الحرب في غزة وإعادة الرهائن إلى إسرائيل والانسحاب العسكري من غزة وإعادة إعمار غزة الجديدة التي يتوجب أن تكون منزوعة السلاح تديرها إدارة مشتركة فلسطينية عربية بإشراف لجنة دولية بإشرافه شخصيا أي وضعها تحت سيطرة انتداب دولي والوعد بالعمل لإيجاد حل القضية الفلسطينية مستقبلا وتحقيق السلام الشامل في منطقة الشرق الأوسط والتطبيع مع إسرائيل .
استخدم ترامب سياسة الضغط على جميع من لهم علاقة في الأحداث الدامية في المنطقة وفرض عليهم قبولها والعمل على تنفيذها ونجح في مسعاه وتبدلت الأوضاع والمسارات .
وفي الثالث عشر من شهر تشرين الأول ٢٠٢٥ أراد ترامب دخول التاريخ كبطل للسلام بعد أن تأكد من نجاح خطته والمباشرة في تنفيذ مرحلتها الأولى التي تقضي بوقف القتال في غزة وتحرير الرهائن الإسرائيليين والانسحاب الجزئي من غزة وضغ المساعدات على اختلافها الى غزة المدمرة وإطلاق سراح حوالي ٢٠٠٠ سجين فلسطيني من السجون الإسرائيلية . تعمد ترامب اختنام هذه اللحظة التاريخية وقطف ثمارها فقرر زيارة المنطقة انطلاقاً من إسرائيل بالتزامن مع اطلاق رهائنها والمشاركة في احتفالاتها ودعم حليفه ورفع العزلة عنه وحمايته من المحاسبة القضائية والمطالبة بالعفو من ارتكاباته الإجرامية وفساده يلي ذلك انتقاله إلى شرم الشيخ في مصر لترؤس مؤتمر شرم الشيخ للسلام مع الرئيس المصري وحضور زعماء وقادة ٣١ دولة ومؤسسة ليدعو الجميع إلى الإنخراط في عملية تهدف إلى وقف الحروب في منطقة الشرق الأوسط وتحقيق السلام والازدهار لجميع دوله والتوقيع على وثيقةالضمانات لخطة السلام إلى جانب توقيع قادة مصر وقطر وتركيا بعد أن كان سبق لنتنياهو التوقيع عليها في واشنطن .
وختاماً وحتى نكون واقعيين في فهم صورة ما يحصل حالياً لابد من القول أن ما جرى حقق وقف القتال في غزة وحرب الإبادة وإنقاذ أهل غزة من المجاعة والتهجير وإعادة الإعمار. وهذا بالطبع عمل جليل ولكنه ليس حلاً نهائياً يعالج أسباب الحروب المتجددة منذ عقود تهدأ حيناً وتتجدد أحياناً أن الشفاء التام من هذا الوباء هو علاج أسبابه الجوهرية أي الاعتراف المتبادل بين دولتين فلسطين وأسرائيل اعترافاً حقيقياً له مرجعياته الدولية المعروفة منذ العام 1947 وفي غير ذلك عودة الوباء ولو بعد حين بعد انقضاء مفاعيل المسكنات والحلول الآنية