تشي مواقف حلفاء إيران في كلّ من لبنان والعراق بأنّها عادت إلى المسار التصاعديّ بعد مرحلة من التساهل، وهو ما يثبت أنّ الخلاف مع هذه الأطراف لا يمكن حلّه إلّا من خلال طهران.
كلّما سئل رئيس الحكومة نوّاف سلام عن موضوع حصريّة السلاح يجيب أنّ هذا الموضوع أصبح وراءنا. القرار باحتكار الدولة للسلاح قد اتُّخذ ونصّ عليه خطاب القسم والبيان الوزاريّ.
كلام عظيم، إلّا إذا كان المقصود أنّ خطاب القسم والبيان الوزاريّ هما اللذان أصبحا وراءنا، لأنّ “الحزب” الذي يطوّر منذ فترة حملته ضدّ نزع السلاح وصل إلى حدّ الإعلان الصريح لرفضه تسليم السلاح ومعارضته للتفاوض مع إسرائيل، وذلك في الكتاب المفتوح الذي وجّهه إلى الرؤساء الثلاثة.
من يتابع تطوّر خطاب “الحزب” حيال هذا الموضوع يلاحظ أنّ موقفه في شأن السلاح مرّ بمرحلتين، تفصل بينهما زيارة علي لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القوميّ الإيرانيّ لبيروت. قبل الزيارة كان “الحزب” أكثر تساهلاً مع الدولة في موضوع السلاح، وبعد الزيارة أصبح متشدّداً، بل رافضاً كلّيّاً لأيّ بحث بالموضوع. إذ أكّد الأمين العامّ نعيم قاسم رفضه الاستجابة لمطالب تسليم “السلاح”، مشدّداً على أنّ “استمرار الضربات الإسرائيليّة لن يُحتمل طويلاً”.
إعادة تمتين العلاقة مع الحلفاء
لا تهدف إيران في المرحلة الراهنة إلى زجّ حلفائها في المنطقة في حرب عشوائيّة مع إسرائيل، بل تسعى إلى إعادة تمتين علاقتها بهم وتنظيمها والاستفادة منها في استعداداتها للتفاوض مع أميركا. إنّها تريدهم أوراقاً مفيدةً على طاولة المفاوضات أكثر منهم حلفاء مقاتلين في ميدان القتال. تصارع عدوّها في أسوأ ظروفها التي تشتمل على ضعف اقتصاديّ، تخلّف تكنولوجيّ، بنى اقتصاديّة وعسكريّة ومدنيّة مترهّلة وحصار متصاعد ومتجدّد. لذلك أكثر ما تحتاج إليه إيران هو الإمساك بأوراق قوّة تضعها على الطاولة في وجه المفاوضين.
تعتقد طهران أنّ الولايات المتّحدة وحلفاءها الغربيّين وإسرائيل يشدّدون العقوبات لتأجيج الاضطرابات في إيران
إنّ أبرز المشاكل الاقتصاديّة التي يعاني منها الاقتصاد الإيرانيّ هي التدهور المستمرّ في سعر صرف العملة الوطنيّة، عجز كبير في الموازنة، ضعف معدّلات النموّ الاقتصاديّ وتضخّم يتجاوز 45% ويقود إلى ارتفاع في الأسعار وانخفاض في القوّة الشرائيّة.
اللافت أنّ هذا البلد الذي يختزن ثروة نفطيّة ومعدنيّة هائلة لا تزيد فيه حصّة الفرد من الناتج المحلّيّ الإجماليّ على 16 ألف دولار. بلغ حجم اقتصاده في العام الماضي 437 مليار دولار، أي أقلّ من حجم اقتصادات دول لا تملك أيّة ثروة نفطيّة، بل تعتمد غالباً على الخدمات والإدارة الناجحة للاقتصاد.
نقلت وكالة “رويترز” عن ثلاثة مسؤولين إيرانيّين أنّه قبل شهرين، وبعد إعادة فرض العقوبات الدوليّة على بلادهم بموجب “آليّة الزناد”، عُقدت في طهران اجتماعات رفيعة المستوى لبحث “كيفيّة تجنّب الانهيار الاقتصاديّ والالتفاف على العقوبات وإدارة الغضب الشعبيّ المتصاعد”. تعتقد طهران أنّ “الولايات المتّحدة وحلفاءها الغربيّين وإسرائيل يشدّدون العقوبات لتأجيج الاضطرابات في إيران وتعريض وجود الجمهوريّة الإسلامية للخطر”.
طهران
تعتمد إيران على “أذرعها” اعتماداً كبيراً لأنّها، ولو كان عديد جيشها يتفوّق على عديد الجيش الإسرائيلي، لا تستطيع مجاراة هذا الأخير من حيث تفوّقه التكنولوجيّ ونوعيّة سلاحه. تبلغ الموازنة العسكريّة الإيرانيّة حوالي 8 مليارات دولار فيما تبلغ موازنة إسرائيل العسكريّة 24 ملياراً.
الاهتمام بالملفّ العراقيّ
على غرار زيارة لاريجاني لبيروت، أوفدت إيران قائد الحرس الثوريّ الجنرال إسماعيل قاآني إلى بغداد حيث أمضى عشر ساعات فقط، اجتمع خلالها إلى حلفاء إيران في “الإطار التنسيقيّ”، نوري المالكي وعمّار الحكيم وهادي العامري وهمام حمودي، من دون أن يجتمع بأيّ مسؤول في الدولة.
عُقدت في طهران اجتماعات رفيعة المستوى لبحث “كيفيّة تجنّب الانهيار الاقتصاديّ والالتفاف على العقوبات وإدارة الغضب الشعبيّ المتصاعد”
يتزامن اهتمام إيران المتجدّد بالساحة العراقيّة مع حذر الولايات المتّحدة الأميركيّة المتزايد من سلوك حلفاء إيران العراقيّين، إلى حدّ إبلاغ وزير الخارجيّة الأميركيّ ماركو روبيو إنذاراً واضحاً إلى رئيس حكومة العراق محمد شيّاع السوداني، قائلاً له إنّ “الميليشيات المدعومة من إيران في العراق تهدّد حياة وأعمال الأميركيّين والعراقيّين على حدّ سواء، وتنهب الموارد العراقيّة لمصلحة طهران”.
استأثر بزيارة الجنرال الإيرانيّ همٌّ آخر، وهو معالجة المشاكل الناشئة بين أركان “الإطار التنسيقيّ”، وهو تحالف القوى الشيعيّة الموالية لإيران، على أبواب الانتخابات البرلمانيّة. إذ وقع خلاف بين القوى المنضوية في “الإطار التنسيقيّ” فقرّرت أن تخوض الانتخابات متفرّقةً لا كتلةً موحّدة. هذا وانقسمت هذه القوى حيال طموح السوداني إلى ترشيح نفسه لدورة جديدة في رئاسة الحكومة، وهو ما حدا بأحد معارضيه نوري المالكي إلى اتّهامه بالتنكّر لمن رشّحوه لتولّي المنصب، واستغلاله له لتشكيل زعامة خاصّة به.
العبرة التي يمكن استخلاصها من تصعيد خطاب “الحزب” في لبنان وسلوك القوى الشيعيّة العراقيّة أنّ الخلاف مع هذه الأطراف لا يمكن حلّه حتّى إشعار آخر إلّا من خلال طهران.