في كل مرة نعود فيها من رحلة إلى الشرق، (الهند)، يكون فيها التأمل في حقائق الوجود. نشعر في مواجهتنا للواقع اللبناني كأننا نواجه من جديد سداً أو حاجزاً أو مستنقعاً من ترويج الأخبار والشائعات ومن المصالح الخاصة ومن صغائر الأمور والأفعال وتفاهة التوجهات وروح الوقيعة والدس والخداع ومن مآسي الكسل في الواجب والتقاعص عن فعل الحق. كأن الطبع اللبناني المتغلب على السياسة ثنائي وازدواجي في أصالته ، ومنذ بروز تكوينه. ولعل دراسة تاريخية لواقع السياسة اللبنانية كما وصلت إلينا منذ تأسيس سجن جبل لبنان المتصرفية في سنة 1864 تظهر لنا عبر التجربة الإدارية الطائفية أسباب هذا الازدواج وأيضاً هذا الانحطاط في السياسة اللبنانية. في هذا البلد لا يوجد أشياء صريحة كأن اللبناني يضمر شيئاً ويقول شيئاً يفعل شيئاً آخر. كما أن النظام التجاري ونموهه العاجل في لبنان طبع بتجربته المصلحية والانتهازية خلق السياسة اللبنانية فوق ما كانت عليه من التخلف والازدواجية وأدخل فساد المصالح الفردية وفساد المال إلى السياسة اللبنانية. وهكذا استمر نظام السياسة الطائفية ونظام الزعامات الفردية وتنظيم شبكات المصالح يم عن تهديماً في الفكر السياسي إلى أن وصلنا إلى حالة شبه ميؤوس من إمكانية إصلاحها أو الخروج منها أو الثورة عليها. ومع ذلك حاولنا ونواصل اقتراح المشاريع الدستورية والقانونية بهدف تحرير المواطن اللبناني وتحرير الحكم في لبنان من عناصر ونتائج هذه الدهنية السياسية المسيطرة كالنعاس على فئات واسعة من القادة ومن عامة الشعب.

(المرجع من مقال له نشرته جريدات الأنباء بتاريخ 31-12-1974)