إن الإصلاح الذي يتحقق في صلب الدولة وفي الإدارة والذي لا يمكن أن يصل إلى غايته الأخيرة بدون اتخاذ بعض التدابير الجذرية التطهيرية، والعمران الذي ينفذ بشكل منهجي ومصمم كل ذلك لا يمكن أن يستمر في المستقبل القريب إلا إذا حققنا تبديلا في بعض أنظمة الحكم في البلد فنبعدها ما أمكن عن التأثير السياسي الصغير وعن الانحراف في شتى التيارات الانتهازية والحزبية الأقليمية الضيقة. ويجب أن نفكر أن النظام القائم لم يعد له في العالم مثيلا فالتعديل الذي يفكر به اللبنانيون أو بعضهم هو ضرورة إذا أردنا أن نستبق الأحداث وأن نركز مضامين الإصلاح والعمران على أسس ثابتة.

فجميع الأفكار التي تطرح من نظام رئاسي إلى تعديل في النظام البرلماني إلى انتخاب رئيس الدولة بواسطة الشعب مباشرة جميع هذه الأفكار يجب أن نواجهها في تفكيرنا بالكثير من الجدية لأنها ستطرح في يوم من الأيام على بسالة البحث ولا تعود مجرد محاولات حديث في الأندية الخاصة والعامة .

على أن مثل هذا التعديل في نظام الحكم يكون له أثره الكامل في حياة الشعب ولن يعطي ثماره إذا لم نبدأ بالقاعدة الشعبية بإطارات الاقتصاد والاجتماع التي يجب أن تتحول بادئ ذي بدء إلى قواعد تضامنية اشتراكية فالحكم لا يتصوب بتعديل الدستور والنظام السياسي القائم بل بتعديل وتبديل ما ينعكس في هذا النظام السياسي وفي هذا الحكم من نظام اقتصادي ونظام اجتماعي وثقافي، من هنا يجب أن نبدأ قبل أن يثمر سعينا ويعطي تفكيرنا نتاجه وتصبح الدولة منتظمة كما نريد ونشاء.

( المرجع مقال له نشرته جريدة الأنباء في 1-12-1962 ورده في الصفحة 185 من كتابه لبنان والجسر الوطني المقطوع)