إن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط اليوم من نزاعات وحروب واحتلالات متضاربة لأهداف يتنازع أبطالها على النفوذ والسيطرة والاستغلال ليس طارئا بل هو متواصل عبر مختلف مراحل التاريخ. يتبدل الطامعون ويستمر التلاعب بمصائر شعوبها.
هذا التاريخ يخبرنا على سبيل المثال أن السلطنة العثمانية سيطرت على منطقة الشرق الأوسط منذ عام 1516 وتحكمت بمصائر شعوبها . باسم الإسلام وحمل سلاطينها لقب خليفة المسلمين. ودامت هذه السيطرة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى 1914-1918. ويخبرنا التاريخ أيضا أنه خلال هذه الحرب التي انهارت فيها الإمبراطورية العثمانية برزت على مسرح الأحداث في الشرق الأوسط إمبراطوريتان استعماريتان بريطانيا وفرنسا . ويكشف لنا التاريخ أن هاتين الدولتين تقاسمتا سراً منذ عام 1916 النفوذ والسيطرة على هذه المنطقة
..
وفي عام 1917 رضخت الحكومة البريطانية لضغوط الحركة الصهيونية وأصدرت باسم وزير خارجيتها وعد بلفور في 2/11/1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين هذا نصه “بالنيابة عن حكومة جلالة الملك يسرني أن أبلغكم بأن حكومة جلالته تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية مع البيان الحالي بأنه لن يؤتي بعمل من شأنه أن يغير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”( المرجع جورج أنتونيوس كتاب يقذط العرب صفحة 394 )
حرص مخططو سايكس بيكو ووعد بلفور على أن يتوزعوا نفوذهم وسيطرتهم عن المنطقة من خلال تقاسمها إلى دول بحدود جديدة تتجمع في كل منها التناقضات الدينية والمذهبية والعرقية ، يتعذر فيها قيام سلطات قادرة ومستقرة وجامعة لمكوناتها السكانية بهدف ابقائها ضعيفة ومفككة يسهل استغلالها والتلاعب بمصائر شعوبها.
وأبرز ما شاهدته المنطقة خلال فترة الانتدابات والحرب العالمية الثانية الدعم البريطاني خاصة وألأوروبي الأمريكي عامة هو تكتيف حركة الاستيطان اليهودي الأوروبي في فلسطين، ودعم تشكيل الميليشيات اليهودية وتسليحها والإسراع في الاعتراف بقيام دولة إسرائيل سنة 1947 رغم المذابح والتهجير الذي ارتكبته ميليشياتها بحق الفلسطينيين وحرمانهم من حقهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة في فلسطين بالتوازي مع إقامة الدولة الإسرائيلية كما قررت الأم المتحدة في القرار 181 .
الفشل العربي في حرب سنة 1948 كانت له تداعيات مصيرية في المنطقة ففي مواجهة المشروع العنصري الصهيوني الهادف إلى ترسيخ الدولة اليهودية على أرض فلسطين والسعي لإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ، واجهت شعوب المنطقة هذا الخطر الوجودي بمشاريع عاجزة تحت عناوين قومية عربية ودعوات دينية مذهبية وعرقية مقسمة فاستمر الفشل وتواصلت المغامرات بمصائر الشعوب . تراجع الحسّ القومي العربي لتبرز على الساحة مشاريع الإلغاء والتناحر والإبادة والاقتتال الداخلي المدعوم من قوى إقليمية ودولية ذات طموحات متباينة .
وهكذا وصلت الأمور إلى ما نشاهده اليوم على ساحة الشرق الأوسط من نزاعات قاتلة ومدمرة.
- المشروع العنصري الديني الصهيوني هذا المشروع الذي تديره وترعاه الحركة الصهيونية وتتولى محاولات تنفيذه الحكومة العنصرية المتطرفة في إسرائيل بدعم شامل امريكي وعطف أوروبي بشنّ حروبه على سبع جبهات في المنطقة وحرب إبادة وتجويع وتدمير وتهجير على الشعب الفلسطيني غير عابىء بالقوانين والقرارات الدولية وبالحقوق الإنسانية
- مشروع الإسلام السياسي ذات الطابع السني هذا المشروع الذي تقوده حركة الأخوان المسلمين والقاعدة وداعش وسواها من الحركات التكفيرية لا يتقبل المساكنة مع سائر المكونات السكانية ويحول الصراع مع إسرائيل إلى صراع ديني بدلا من أن يكون صراعا على الحقوق.
- مشروع الممانعة للمحور الشيعي الذي تقوده الجمهورية الإسلامية في إيران ظهر هذا المشروع مع استلاء أنصار ولاية الفقيه على الحكم في إيران سنة 1979 ويسعى لإقامة محور شيعي ممانع من الدول التي يتواجد فيها شيعيون مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن ودول الخليج العربي . لم يعترف بالحدود ولا بالدول ، بل عمل على تشكيل مليشيات تسلحها وتمولها وتدعمها يقودها ويستخدمها لتحقيق مشروع الهيمنة الإيرانية غامزاً من الفشل العربي ورافعا شعار تحرير القدس وإزالة إسرائيل ونصرة الشعب الفلسطيني ، وهو اليوم يواجه حربا من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية
هذه المشاريع على اختلافها هي مشاريع صراعات مفتوحة على المجهول ولا يوصل أيّ منها إلى سلام حقيقي في المنطقة. وفي المقابل، برز مشروع مختلف سياسي ديبلومايسي تقوده السعودية باسم العرب والمسلمين وفرنسا باسم الاتحاد الأوروبي ، يطرح حلولاً على أساس الحقوق المشروعة للنزاعات المتواصلة التي تعاني منها المنطقة وتقضي بإنهاء حرب الإبادة الهمجية التي تمارسها إسرائيل في غزة والضفة الغربية وإقامة الدولة الفلسطينية استناداً للقرار الأممي رقم 181 الصادر في العام 1947 والذي لا يزال تنفيذه معطلاً ، ووقف الحروب العدوانية التي تشنها إسرائيل على الدول العربية المجاورة لها للوصول إلى سلام شامل وعادل في المنطقة بين إسرائيل والعالم العربي . هذا الطرح فرض نفسه على دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر أيلول وأظهر عجزاً وفاشلاً كبيراً للإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية وأدى إلى دفع الرئيس ترامب لطرح خطته للسلام في غزة والشرق الأوسط لإنقاذ نفسه وإسرائيل وتغيير بوصلة الأحداث الأيام القادمة ستظهر أي مسار ستسلكه الأحداث
