ازداد في السنوات الأخيرة، الإقبال على الأنظمة الغذائية النباتية، لأسباب اجتماعية أو دينية أو حتى أخلاقية، وفي أحيان أخرى بهدف تحسين الصحة والوقاية من الأمراض المزمنة. يقوم هذا التوجّه على الاعتماد بشكل أساسي على المصادر النباتية للغذاء، مع تباينات بين أنواعه المختلفة. فهناك من يتبع النظام شبه النباتي، أو ما يُعرف بالـ “Flexitarian” حيث يكون التركيز على الخضار والحبوب والبقوليات، مع تناول محدود للحوم والدجاج والسّمك والبيض ومنتجات الألبان. وهناك أنظمة أكثر التزامًا، مثل الـ “Vegan” الذي يستبعد جميع المنتجات الحيوانيّة، أو الـ “Lacto-vegetarian” الذي يسمح بمنتجات الحليب فقط، والـ “Lacto-ova vegetarian” الذي يشمل الحليب والبيض.

لكن يبقى السؤال الأساسي: هل يشكّل هذا النمط الغذائي خيارًا صحيًّا وآمنًا للجسم، أم قد يعرّض متّبعيه إلى بعض النواقص الغذائية إذا لم يُخطَّط له بالشكل الصحيح؟

إذًا تتعدّد الدوافع وراء تبنّي البعض النظام الغذائيّ النباتيّ، بين إنسانيّة، دينية، وصحّية. فالبعض يرفض أكل اللحوم بدافع أخلاقي مرتبط برفض تعذيب الحيوان، فيما يختاره آخرون التزامًا بمعتقدات دينية مثل الهندوسية والبوذية. أما صحيًّا، فازداد القلق من تناول اللحوم مع انتشار فيروسات وبكتيريا مرتبطة بها، كإنفلونزا الطيور وجنون البقر والإيكولاي، ما جعل كثيرين يعتبرون النظام النباتي أكثر أمانًا، إضافة إلى قناعة شائعة بأنه يساهم في تحسين الصحّة، تنقية الجسم وضبط الوزن.

 

فوائد اتباع النظام النباتيّ

يتميّز النظام النباتي بالعديد من المنافع الصحّية التي أثبتتها الدراسات، ومن أبرزها:

  1. زيادة استهلاك الفواكه والخضار والمكسّرات: وهي مصادر غنيّة بمضادات الأكسدة التي تحمي الجسم من أمراض القلب، والسرطان، وارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى تأخير الشيخوخة وتعزيز المناعة.
  2. التقليل من تناول الدهون المشبّعة: التي تكثر في الزبدة، السّمن، اللحوم الحمراء والعضوية، وهي من العوامل الأساسيّة في ارتفاع معدّل الكوليسترول الضار (LDL) وما يرافقه من مشكلات صحيّة.
  3. الغنى بالألياف الغذائيّة: حيث يساهم النظام النباتيّ في تعزيز صحّة الجهاز الهضمي ومكافحة الإمساك، كما يساعد على خفض مستويات الكوليسترول والسّكّر في الدم، ما يقلّل من خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
  4. الاعتماد على البقوليّات: كالعدس، الفاصوليا، والبازلاء، وهي من أهم المصادر النباتيّة الغنيّة بالفيتامينات والمعادن، مثل البوتاسيوم، الحديد، والمغنيسيوم. وتمتاز بأنها خالية من الكوليسترول والدهون الضارة، وغنيّة بالألياف، فضلًا عن احتوائها على كميّة جيّدة من البروتين النباتي الذي قد يشكّل بديلًا مناسبًا للّحوم.

 

نصائح غذائية لمتّبعي النظام النباتي

رغم المنافع العديدة للنظام النباتي، إلّا أن الالتزام به يحتاج إلى بعض التخطيط لتفادي النقص الغذائي وضمان توازن الوجبات. ومن أبرز الإرشادات:

  1. تنويع مصادر البروتين النباتي: عبر الجمع بين البقوليّات، الحبوب الكاملة، المكسّرات، والبذور، للحصول على الأحماض الأمينية الأساسية.
  2. الانتباه لفيتامين “B12”: وهو عنصر شبه حصريّ في المصادر الحيوانية، لذا يُنصح بتناوله عبر مكمّلات أو أطعمة مدعّمة.
  3. تعويض الحديد والزنك: بالإكثار من تناول العدس، السبانخ، الفاصوليا، والحبوب الكاملة، مع تناولها إلى جانب مصدر غنيّ بفيتامين “C” لتحسين الامتصاص.
  4. الحفاظ على الكالسيوم وفيتامين “D”: بالاعتماد على الخضار الورقيّة، حليب الصويا، أو اللّوز المدعّم، والتعرّض الكافي لأشعة الشمس أو تناول مكمّلات عند الحاجة.
  5. مصادر أوميغا 3 النباتيّة: مثل بذور الكتّان، الشيا، الجوز، أو مكمّلات الطحالب، لتعويض غياب الأسماك.
  6. التوازن والاعتدال: فالاعتماد على الأغذية المعالَجَة أو النشويّات البسيطة، حتى لو كانت نباتيّة قد يضعف القيمة الصحيّة للنظام.

 

هل يمكن معالجة السّكّري باتّباع نظام غذائي نباتيّ؟

يشير العديد من الدراسات الحديثة، إلى أنّ اعتماد نظام غذائيّ نباتيّ قد يساعد بشكل فعّال في ضبط مستويات السّكّر في الدم، خصوصًا عند مرضى السكّري من النوع الثاني. فالغذاء النباتيّ غنيّ بالألياف التي تُبطئ امتصاص السكّر وتمنع الارتفاعات الحادّة في معدّلاته، كما أنّه فقير بالدهون المشبّعة التي تؤثر سلبًا على عمل الإنسولين. وقد تبيّن أن متّبعي الأنظمة النباتية يتمتّعون عادةً بوزن صحيّ وضغط دم متوازن، ما يساهم في تحسين حساسيّة الخلايا للإنسولين وتقليل الحاجة إلى الأدوية. ومع ذلك، يبقى النظام النباتي عاملًا مساعدًا في العلاج، ولا يُغني عن المتابعة الطبية الدقيقة أو الالتزام بالعلاج الموصوف من قِبل الطبيب.

بمعنى آخر، يمكن للنظام النباتيّ أن يشكّل ركيزة وقائيّة وعلاجيّة مكمّلة لمرضى السكّري، شرط أن يكون متوازنًا ومدعومًا بالإشراف الغذائيّ المتخصّص.

 

العناصر التي قد تنقص عند متّبعي الأنظمة النباتية

  1. فيتامين “B12”:

o المصدر الطبيعي الأساسي: اللحوم، الدواجن، الأسماك، البيض، ومنتجات الألبان.

o أهميّته: يلعب دورًا رئيسيًا في تكوين كريات الدم الحمراء، وصحّة الجهاز العصبي.

o مخاطر نقصه: فقر دم، تعب مزمن، مشاكل عصبية أو ضعف في الذاكرة والتركيز.

o التعويض: مكمّلات غذائية أو أغذية مدعّمة كحليب الصويا أو الحبوب المدعّمة.

 

  1. الحديد:

o المصدر الحيواني (Heme iron) يُمتصّ بشكل أفضل من المصدر النباتي (Non-heme iron).

o أهميّته: أساسيّ في نقل الأوكسيجين عبر الهيموغلوبين.

o مخاطر نقصه: أنيميا، دوخة، ضعف عام، تساقط شعر.

o التعويض: الإكثار من تناول العدس، الفاصوليا، السبانخ، البذور، مع تناولها بجانب أطعمة غنيّة بفيتامين “C” مثل الحمضيّات والطماطم لتحسين الامتصاص.

 

  1. الزنك

o أهميّته: دعم جهاز المناعة، التئام الجروح، نموّ الخلايا.

o مخاطر نقصه: ضعف المناعة، تأخر التئام الجروح، مشاكل جلديّة.

o التعويض: المكسّرات، البذور (خاصة بذور القرع واليقطين)، الحبوب الكاملة والبقوليّات.

 

  1. الكالسيوم وفيتامين “D”:

o الكالسيوم مهمّ لصحّة العظام والأسنان، وفيتامين “D” ضروريّ لامتصاصه.

o عند النباتيّين الذين يستبعدون منتجات الحليب، قد يقلّ الوارد اليوميّ بشكل كبير.

o التعويض: خضار ورقيّة خضراء مثل البروكلي والكرنب، حليب نباتي مدعّم (كالصويا واللّوز)، التعرّض للشمس، أو مكمّلات فيتامين “D” عند الحاجة.

 

  1. أحماض أوميغا 3 الدهنية (EPA و DHA):

o أهميّتها: صحّة القلب، الدماغ، والعيون.

o المصادر النباتية (مثل بذور الكتّان والشيا والجوز) تحتوي على “ALA”، وهو يُحوَّل في الجسم بكفاءة منخفضة إلى “EPA” و “DHA”، لذلك قد يستفيد النباتيون من مكمّلات مستخلصة من الطحالب لضمان توازن صحي.

 

  1. البروتين:

o ليس غائبًا عن النظام النباتي، لكنه يحتاج إلى تنويع المصادر (حبوب + بقوليّات + مكسّرات + بذور) لضمان الحصول على الأحماض الأمينية الأساسية كاملة.

o مثال: الجمع بين تناول الأرزّ والعدس، أو الحمص وخبز القمح الكامل.