مقالات

الحلقة الثامنة: في الاصلاح الاداري | تذكير لمن يريد ان يتذكر… لعل في الاطلاع افادة

الخميس 3 أيلول 2020

كمال جنبلاط


توسم كمال جنبلاط خيراً في انتخاب الجنرال فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، فوجّه له مذكرة اصلاحية اعتبرها اساساً لتنظيم الدولة من جديد. تتضمن المرتكزات الاساسية لبناء الدولة تلاها في مؤتمر صحفي، ونشرتها جريدة “الكفاح العربي” بتاريخ 31/10/1958. وانتظر الاستجابة. ولما طال الانتظار، نشر في جريدة الانباء بتاريخ 19/12/1959، مقالاً بعنوان “خيبة امل وخديعة” جاء فيه:

“ان هدف الاصلاح هو اولاً وضع انظمة للدولة تستطيع ان تتوافق مع المتطلبات النظامية والايجابية في العمل وضرورات العصر، وثانياً تطهير الدوائر الرسمية من جميع الذين نسبت اليهم الرشوة، والحزبية المتطرفة، وعرقلة الاعمال، والاثراء غير المشروع، وسواها من العاهات التي تتكوّن منها الادارة اللبنانية، والتي تكدّس فيها الفساد وتكاثف في طبقات عهود متتالية. وتعيين الموظفين الاكفاء كل وفق اختصاصه مع مراعاة التوازن الطائفي، لانه لا يمكن ان تمارس الطائفية السياسية بشكل منقوص في الجو الذي نعيشه، ونرى بعين البصيرة انه لا يمكن الافتئات على حقوق الطائفية السياسية في توزيع الوظائف، لانه اما يكون لبنان دولة مدنية بكل معنى الكلمة، ويتخلى الجميع عن مبدأ الطائفية السياسية بشكل حاسم، واما ان تطبق قواعد الطائفية السياسية في كل المجالات الادارية ، وفي توزيع المنافع العامة.”

(من كتابه: “مختارات من اجل المستقبل” ص.70)

وأردف في مكان آخر من المقال:

“انتظر الناس بفارغ الصبر الخطوة الاساسية الكبرى التي طالما وقفت عقبة في طريق الاصلاح الاداراي في لبنان، والتي هي مرتكز كل اصلاح، والمثال الصالح او الطالح الذي ينتظره الموظفون والمواطنون على السواء: تبديل المديرين العامين ورؤساء المصالح والدوائر واقصاء جميع الموظفين الذين كانوا عاملاً على الرشوة وعنصراً هاماً في الفساد. وتأكد للناس انه لابد بأن ينتصر رئيس الجمهورية على مناوئيه داخل الحكومة وداخل الادارة وفي البلد، وانه لابد من ان يقنعهم بما توفر لديه من ملفات عن وضع الموظفين الفاسد وعن هذا الفجور الذي تحفل به ايام ممارستهم لأعمال الرشوة والاثراء غير المشروع. وكان ان اسرعت الساعة واقترب موعد نهاية الصلاحيات الاشتراعية. واستفادت العناصر المناوئة، داخل الحكومة وخارجها، وتصاعدت المساومات غير اللائقة والمخربة، وتعطل الاصلاح الاداري، واستمر الفاسدون في مراكزهم. ولذا نقف اليوم مع الكثرة الساحقة من اللبنانيين لنتساءل: الى متى سيظل هذا الوضع الشاذ قائماً؟ لقد عيل صبر المخلصين في لبنان لفكرة الاصلاح الراغبين في ان تتطهر الادارة بشكل كامل.”

(المرجع ذاته ص. 73 – 74)

هذا ما استفزّ كمال جنبلاط طيلة ستين عاماً، فماذا كان يمكنه القول اليوم بعد ان استمر الفساد ونخر دوائر الدولة وأوصل البلاد الى ما تعاني منه اليوم من انهيار على كل المستويات؟

ولكي نذكّر من يريد ان يتذكّر، ونرسم خطوط الاصلاح الاداري لمن يريد ان يصلح، نورد هنا رؤية كمال جنبلاط ومشروعه لإصلاح الادارة اللبنانية.

– في حقل التطهير:

1- اعادة النظر بشكل تدريجي بالتعيينات والترقيات التي حصلت في الفترة السابقة ، والتي تميزت اكثريتها بالمحسوبية، والتحزب والارضاء وانعدام الكفاءة او الاتصال المشبوه ببعض الدوائر الاجنبية.

ويجب ان يتناول التطهير اجهزة الدولة كافة بدون شفقة او رحمة لكي يعاد للادارة حرمتها واحترامها. وبشكل خاص يجب ان يتناول التطهير مدراء الدولة والمفتشين ورؤساء الدوائر في المدن وفي الملحقات والمحافظين والقائمقامين وضباط الدرك والشرطة والامن العام وموظفي البلديات وسواهم من موظفي ملاكات الدولة الخاصة والعامة ، وكذلك هيئات المستشارين في المحافظات في الدولة وفي البلديات.

2- انشاء لجنة عليا للتطهير مؤلفة من ثلاثة اعضاء تعيّن بدورها لجاناً فرعية لتحقيق هذا التطهير باستعانتها بكافة المعلومات الخاصة والعامة، وانشاء مكتب للاستعلامات للاستفسار عن تصرف الموظف في الحقل الخاص والعام وتقبل كافة المعلومات عنه الضرورية لتبرئته او ادانته.

3- التحقيق في ثروات الموظفين وفصل كل موظف في الخدمة أثرى اثراء غير مشروع ابان قيامه بوظيفته، على ان يتوفر للموظف الحق في مقاضاة الدولة امام محكمة الاثراء غير المشروع لتبرئة نفسه.

4- يعين اعضاء محكمة الاثراء غير المشروع من شخصيات قضائية مجردة من كل غاية وصارمة في احكامها لا تقبل الشفاعات والوساطات.

– في حقل التنظيم والاصلاح الايجابي

1- انشاء مجلس مستقل للخدمة المدنية (اي موظفي الدولة) يتولى امور التعيين والترقية والصرف من الخدمة. وهذا التدبير يمكّن النظام من القضاء على المحسوبية والارضاء في التعيين والحزبية وسواها من النقائص التي تشوب نظامنا الاداري.

هذا المجلس للخدمة المدنية يجب ان يكون مستقلاً في تكوينه وفي سير اعماله عن السلطة السياسية اياً كانت، ومستقلاً عن اي نفوذ، وتكون لأعضاء هذا المجلس ضمانات وحصانات تشبه حصانة القضاة، فلا يعزلون ولا ينقلون الا لأخطاء جسيمة – تثبتها بحقهم المحاكم النظامية. يتولى هذا المجلس تكوين ملفات كاملة لكل موظف، ويعنى بإجراء الامتحانات لجميع وظائف الدولة من اجل التعيين او الترقية. ويعلن النتائج، ولا يجوز لمجلس الوزراء بأن يتعدى صلاحياته بعدم تعيين او ترقية الذين نجحوا في الامتحانات. وبهذا يشكل مجلس الخدمة المدنية اكبر ضمانة لتحقيق النظام والكفاءة في الادارة ، ومنع النواب والوزراء من التلاعب في الوظائف العامة واستخدامها لتثبيت وتقوية نفوذهم بدون مبرر شرعي.

2- انشاء هيئة للتفتيش واسعة الصلاحيات ومستقلة تماماً عن اهواء السياسة ، تتحرك من تلقاء نفسها او بإيعاز من السلطات المختصة لكي تؤمن مراقبة انتظام اعمال الادارة ووصول كل ذي حق الى حقه بأسرع وافضل الوسائل. وتكون لأعضاء هيئة التفتيش حصانات وضمانات تؤمن استقلالهم الاداري وتؤمن سرعة قيامهم بمهام وظائفهم على افضل وجه. والتفتيش والمراقبة هما عنصران اساسيان في انتظام الادارة .

3- التبسيط في الادارة وتجنب التعقيد في المعاملات الناجمة عن كثرة التواقيع التي تتطلبها المعاملة، فلا يجوز ان تتجاوز هذه التواقيع للمعاملة الواحدة الثلاثة الى الخمسة.

4- تحقيق اللامركزية في الادارة على اوسع نطاق، وقد يكون من الانسب انشاء مجالس ادارة في المناطق يقوم بانتخابها ارباب الهيئات البلدية، ويكون من صلاحياتها القيام بإعمال عمرانية في المنطقة تغذيها ميزانية خاصة ناجمة عن رسوم بلدية معينة. وتستطيع هذه الهيئات ايضاً تأمين خدمات زراعية وصحية وسواها. ويكون لكل منطقة ادارية حاكم اداري ذو صلاحيات واسعةجداً تعينه الحكومة من بين ثلاثة او خمسة اسماء تتقدم بها للحكومة الهيئات الادارية في المناطق ذاتها. وهذا الاصلاح يمكّن من تخفيف اجهزة الدولة المركزية و تحويلها الى المناطق.

5- توسيع صلاحيات كبار الموظفين مع تنمية التفتيش ودوامه. وقضية انتظام الادارة يسهل تحقيقه اذا توفر انتقاء الرجال المخلصين، واذا توفرت القوانين والانظمة التي أشرنا اليها.


Shares
facebook sharing button
twitter sharing button
messenger sharing button
whatsapp sharing button
sharethis sharing button