مما لا شك فيه أن الحكم في هذا العهد قد وضع الأسس والمبادئ الرئيسية الأولى للدولة والسياسة والإدارة تلك المبادئ والأسس التي كان يجب أن توضع بعد نيل الاستقلال سنة 1943 مباشرة وقبل أن تطغى المصالح وتعصف الأهواء وتسيطر غوغائية الحزبيات وتستشرئ الرغبات والانتهاكات الخاصة فتصبح الإدارة والدولة مزرعة.
على أننا وقفنا عند حد تبديل الأنظمة والقوانين ولم نتعداها إلى مرحلة تبديل الأشخاص بشكل مصمم وشامل ومدروس يقتل هذا الفساد من النفوس ويقضي على رواسب العهود السابقة. من المفيد جدا أن توضع الأنظمة والقوانين الجديدة كي تكون بمثابة أقنية وإطارات وقوالب لحركة الإدارة وعلاقاتها المتشابكة ببعضها البعض ومع الناس. ولكن النظام هو في النهاية أداة ميتة ووسيلة جهاد إذا لم تحييها روح التعامل البشري في الداخل .فيجب أن تخصص المرحلة الثانية من الإصلاح إلى إصلاح الجهاز البشري وتطويره بعد أن وضعت الأسس لإصلاح الأجهزة من الوجهة المادية والقانونية لأن الحرف وحده يبقى عجما إذا لم تبعثه حيا روح الحياة وإلا فعبثا نحاول أن ننجح في نهاية المطاف النجاح الذي نرتضيه لبلدنا.
( المرجع مقال له نشرته جريدة الأنباء في 23-11-1963)