من يرغب بالحصول على إثبات جديد بأنّ الحرب مع إسرائيل هي حرب مع الولايات المتّحدة الأميركية، يمكنه الاتّعاظ من المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط يوم الإثنين الماضي.
يجتمع في القدس رجلان وحيدان، هما بنيامين نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل وماركو روبيو وزير خارجيّة الولايات المتّحدة الأميركية، ينسّقان خطط الحرب الإسرائيلية على غزّة وعدد من دول المنطقة. في الدوحة، في الوقت نفسه، يجتمع عشرات حكّام الدول العربية والإسلامية الذين يمثّلون مئات ملايين المسلمين لبحث سبل الدفاع ضدّ انفلات إسرائيل، بوحشيّة قلّ نظيرها، على بعض بلدانهم وشعوبهم ورمزهم المقدّس فلسطين.
نتنياهو وروبيو مرتاحان إلى التفوّق العسكري لإسرائيل، ذات المساحة الصغيرة والسكّان القليلي العدد، في ساحة حرب رسمت حدودها بنفسها ضمن خارطة إسرائيل الكبرى. لا تجد قمّة الدوحة بما تمثّل من شعوب وبقاع مترامية الأطراف إلّا عبارات الاستنكار وصيحات الشكوى من هذا المخلوق الإسرائيليّ الصغير، الذي استسهل هدم المدن وقتل الأطفال وإبادة السكّان وتهجير المدنيّين والقضاء على الجيوش وتغيير الخرائط والحدود، رغماً عن أهالي المنطقة وبلدانها التي مرّ على تأسيسها أكثر من مئة عام.
المؤشّرات الاقتصاديّة
أميركا في أيّامنا هي صانعة المعجزات. تسمح لكيان صغير بتهديد وإقلاق دول ذات كيانات اقتصاديّة عملاقة كدول الخليج العربي عن طريق مدّه بسيل لا ينضب من المساعدات العسكرية والماليّة. من المفيد هنا إجراء مقارنة بين المؤشّرات الاقتصاديّة لإسرائيل ومؤشّرات ثلاث دول خليجية، هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة ودولة قطر لإظهار تفوّق الخليج اقتصاديّاً على إسرائيل، التي تعوّض عن ذلك بالتفوّق العسكري بفضل الدعم الأميركي.
أصبحت إسرائيل قوّة اقتصاديّة وعسكريّة إقليمية لأنّها جزء من المعسكر الاقتصادي الغربي وبسبب تفوّقها في مجال التكنولوجيا الفائقة والصناعة العسكرية. يُعتبر قطاع التكنولوجيا المحرّك الرئيس للنموّ الاقتصاديّ في البلاد.
يستقطب قطاع التكنولوجيا المتقدّمة في إسرائيل 12% من القوى العاملة، ويوفّر للدولة ربع الضرائب على الدخل بسبب الرواتب المرتفعة للعاملين فيه، والبالغ عددهم حوالي 400 ألف موظّف. يستأثر بنسبة 65% من صادرات إسرائيل، أي ما يعادل 20% من الناتج المحلّي الإجمالي. لكنّ القطاع دخل مرحلة من الركود بسبب هجرة عدد من العاملين فيه نتيجة الحرب.
يستمدّ الاقتصاد الخليجيّ زخمه وتفوّقه من اعتماده التقليدي على النفط والغاز والصناعات البتروكيميائيّة. بدأت الدول الخليجيّة بتطوير ناجح للقطاع غير النفطي ضمن البرامج الرؤيويّة الطموحة، لا سيما في السعوديّة والإمارات، فحدثت تحوّلات دراماتيكيّة في بنية اقتصادها.
الأرقام بين الخليج وإسرائيل
يبيّن تحليل أرقام اقتصادات الدول الخليجية الثلاث أهمّية الاقتصاد الخليجي قياساً إلى إسرائيل. تشكّل اقتصادات الدول المذكورة 3.7 أضعاف الناتج المحلّي الإسرائيلي، بل إنّ حجم اقتصاد المملكة وحده يزيد على ضعفَي حجم الاقتصاد الإسرائيلي.
تبلغ حصّة الفرد من الناتج المحلّي في إسرائيل 48 ألف دولار، فيما تصل إلى 62 ألفاً في السعودية و68 ألفاً في الإمارات وتتجاوز مئة وعشرة آلاف دولار في قطر.
بالنسبة للموازنة العامّة، تبلغ الإيرادات الحكومية في إسرائيل 162 مليار دولار، مقابل 378 ملياراً في السعوديّة و66 ملياراً في قطر و23 ملياراً في الإمارات. أمّا النفقات العامّة فقد بلغت في العام الماضي 189 ملياراً في إسرائيل و388 ملياراً في السعوديّة و20 ملياراً في الإمارات و57 ملياراً في قطر.
بلغ رصيد الحساب الجاري في إسرائيل العام الماضي 16.5 مليار دولار مقابل 63 ملياراً في قطر و38 ملياراً في الإمارات. على الرغم من أنّ الحساب الجاري السعودي سجّل عجزاً طفيفاً سنة 2024، فإنّه وصل إلى 150 ملياراً سنة 2022. يعود التذبذب في رصيد الحسابات الخارجية للسعودية وباقي دول الخليج إلى تذبذب أسعار النفط وعدم استقرار الصادرات النفطية تبعاً لتقلّب سياسات منظّمة أوبك.
إنّ الحروب لا تُخاض بالاقتصاد وحده، إلّا أنّ التحدّيات، التي بدأت إسرائيل بفرضها على المنطقة بما فيها بلدان الخليج، تفرض تعزيز وتزخيم السياسات البعيدة المدى التي بدأت الدول الخليجية باعتمادها، والتي تهدف إلى مزيد من التحديث والانفتاح وتمتين العلاقات مع الغرب والشرق، وإتقان أدوات وآلات وطرق الإنتاج الجديدة.